التسامح الديني في سلطنة عمان:

ساهمت الخمسة آلاف سنة من التاريخ ومن التواصل الدولي لسلطنة عمان في تطوير مناخ فريد من نوعه من الانفتاح والتسامح، فقد لاقت الجماعات العرقية والدينية المضطهدة غالباً في أماكن أخرى، الاحترام وملاذا للسلام في عُمان واندمجت بسهولة في المجتمع.

وتنعكس هذه الرؤية الفريدة من التسامح الديني والتعايش السلمي اليوم على مبادئ وأفعال معالي الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالله السالمي وزير الأوقاف والشؤون الدينية منذ عام 1997، الذي يسعى باستمرار إلى تعزيز التفاهم بين الشعوب ونشر روح السلام الموجودة في الإسلام، وهو يستخدم معرفته الغنية في تحدي الصور الدينية والسياسية النمطية عن العالم الإسلامي وعلاقاته مع الغرب.

قدر عدد سكان سلطنة عمان بنحو 3.6 مليون نسمة عام 2016، بلغت نسبة  المواطنين العمانيين بينهم 55٪، والباقي من المغتربين. وتشير تقديرات الانتماء الديني إلى أن المسلمين الإباضيين يشكلون غالبية السكان، وهم يمثلون الجماعة الدينية المهيمنة تاريخياً في البلاد والمستقلة عن الإسلام السني والشيعي. بينما يشكل المسلمون الشيعة حوالي 5٪ من المواطنين (خاصة في منطقة العاصمة وعلى طول الساحل الشمالي)، في حين أن نسبة الهندوس والمسيحيين بلغت 5٪، وبقية السكان هم من المسلمين السنة.
وتعد الحرية الدينية جزءًا لا يتجزأ من العبادات في السلطنة، وتتعزز هذه الحرية من خلال أعمال الحكومة التي تشجع الممارسات الإسلامية المتسامحة والجامعة وتؤكد على الجوانب المشتركة مع الأديان الأخرى. وبالتالي فإن احترام الحياة الخاصة والمعتقدات الدينية للشعب هو سمة رئيسية للعمل الحكومي في هذا المجال.

تقوم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بالدور الأهم، إذ يتوجب على جميع المنظمات الدينية التسجيل لدى الحكومة من خلال هذه الوزارة وطلب مكان للاجتماعات والعبادة لدى إحدى المنظمات الراعية المعترف بها من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية. كما يجب على الذين يلقون الخطب أن يسجلوا أنفسهم، ويجب أن يلقي الأئمة المرخصون الخطب التي تعترف بها الحكومة. ومن الجدير بالذكر أنه لا توجد قواعد أو لوائح أو معايير منشورة من أجل تسجيل مجموعة دينية جديدة، لكن الوزارة تنظر إلى حجم المجموعة والعقيدة  وفرص العبادة الأخرى المتاحة، ويتم استخدام نفس المعايير لكل من الجماعات المسلمة وغير المسلمة.

علاوة على ذلك تواصل الوزارة إصدار مجلة “التفاهم”، وهي مجلة فصلية تصدر منذ أكثر من 10 سنوات، وتهدف إلى توسيع الحوار داخل الإسلام وتشجيع الحوار مع الأديان الأخرى. تنشر المجلة أبحاثًا علمية على أعلى المستويات، وتركز على المشكلات الحالية، وعلى مدى العلاقات بين الأنظمة المختلفة، بما في ذلك دراسات عن الغرب وعن حوار الحضارات.

وتشرف الوزارة أيضا على الخطب وتوزع نصوص معتمدة لجميع الأئمة لضمان عدم معالجة الأئمة للقضايا السياسية. ويلتزم الأئمة فعلا بإلقاء الخطب في إطار المعايير السياسية والاجتماعية التي توزعها الحكومة شهرياً، كما يجب على الجماعات الدينية الحصول على موافقة من الوزارة قبل نشر النصوص في البلد وعرض نسخة من الوثائق الدينية المستوردة.

ينعكس احترام المجتمع للحرية الدينية في القانون الأساسي الذي ينص على أن الإسلام هو دين الدولة، لكنه يحظر التمييز على أساس الدين ويحمي حق الأفراد في ممارسة الشعائر الدينية. وهكذا تستطيع الجماعات غير المسلمة أن تمارس دينها بحرية في المنازل وفي أماكن العبادة التي توافق عليها الحكومة.

غير أن التبشير والدعوة في الأماكن العامة غير قانوني، ويعتبر جريمة “قذف” لأي دين بالكلام أو الكتابة. كما ويعتبر استخدام الإنترنت بطريقة “يمكن أن تنتهك النظام العام أو القيم الدينية” جريمة أيضًا. ومع ذلك تتسامح الحكومة مع التبشير في أماكن العبادة المسجلة قانونياً وفي “مراكز نشر الدعوة الإسلامية”.

وعلى الرغم من أن الشريعة هي أساس التشريع، إلا أن القانون المدني لايزال يسبق الشريعة عمليا إثر استبدال المحاكم الشرعية بالمحاكم المدنية عام 1999. ولا يمكن للنتائج القضائية التي يتم التوصل إليها بموجب الشريعة الإسلامية أن تتعارض مع القوانين المدنية، ويمكن للمسلمين الشيعة إحالة القضايا التي يتم التعامل معها بموجب الفقه الشيعي إلى المحاكم المدنية إذا لم يتم العثور على حل وفقا للتقاليد الدينية الشيعية. كما يسمح القانون لغير المسلمين بالبت في قضايا الأسرة أو الأحوال الشخصية بموجب قوانين دينهم أو القانون المدني.

إن الدراسات الإسلامية إلزامية للطلاب المسلمين في المدارس العامة ويعفى الطلاب غير المسلمين من هذا الشرط إذا كانوا لا يرغبون بمتابعتها. تنتهج الدروس وجهة نظر تاريخية من خلال مقارنة تطور الفكر الديني الإسلامي ويحظر على المعلمين الدعوة أو تفضيل جماعة مسلمة على أخرى.

أبرزت تقارير منظمات دولية مختلفة على مدى 10 سنوات المبادئ والنتائج الضمنية لهذا النهج العلماني الحديث للحرية الدينية في سلطنة عمان. كما أعطت تقارير وزارة الخارجية الأمريكية، مثل تقرير الحرية الدينية الدولية وهو مرجع أساسي في هذا المجال،  تقييما إيجابيا بشكل منتظم عن التسامح الديني في السلطنة، ويواصل الدبلوماسيون والمتخصصون لقاء مسؤولين من الحكومة العمانية لمناقشة حملات البلاد لدعم التسامح والحوار بين الأديان لدى كافة الجماعات الدينية مؤكدين على أهمية التجربة العلمانية التي تشكل الحرية الدينية في المستقبل.

إن التنوع الديني، بما في ذلك المسلمين والهندوس والبوذيين والسيخ والبهائيين والمسيحيين (الذين يضمون الروم الكاثوليك والأرثوذكس الشرقيين والبروتستانت)، هو سمة رئيسية للمجتمع العماني، فقد تمكنت البلاد على مدى القرون الماضية من إنشاء قاعدة لمجتمع متسامح حقا يقوم على الاحترام المتبادل والتفاهم والحوار المستمر.